أسود الأطلس وداء العاطفة الهوجاء

عبد السلام المساوي

نحن أمة عاطفية إلى أقصى الحدود. يكفي حدوث ما نكره حتى ننسى مبادئنا مشهرين سيف الانتقام. كما يكفي حدوث ما نحب حتى نحلق مع المحلقين في عالم المثل التي لا رابط بينها وبين الواقع.
هكذا تتجاذبنا الحدود القصوى: في الكراهية والحب معًا، وأحيانًا خلال لحظات معدودة.
آن لنا أن نقيم ميزانًا للتمييز والتخلص من داء هذه العاطفة الهوجاء ؛
نحن أمة الانفعالات المتناقضة ، نفرح بسرعة ، نغضب بسرعة …نحن أمة الانفعالات المتقلبة ؛ من مناسبة إلى أخرى ، من لحظة إلى أخرى …
نعيش هذه الانفعالات العاطفية الهوجاء في المجالات السياسية والاجتماعية والفنية والرياضية …في لحظة الانتصار ، قاموس المدح والمديح ، الإشادة والتنويه ، الرقص والتصفيق …جاهز . وفي لحظة التعثر ، قاموس السب والقذف ، التهكم والسخرية ، الاحتقار والنبذ …جاهز أيضا …ويبقى الغائب الأكبر هو العقل والمنطق …نحن أمة لم تفكر بعد !!!
بالأمس القريب جدا ، في مونديال قطر ، صفقنا لمنتخبنا الوطني الذي انتزع الممكن من قلب المستحيل ؛ الرابع عالميا ، إنجاز تاريخي ، سبق عربي وإفريقي …
واليوم ، وفي الكان ، انهزمنا أمام جنوب إفريقيا ، فانقلبت المشاعر والعواطف رأسا على عقب ، نسينا إنجازات أسود الأطلس ، نسينا الفرحة ، نسينا ما قلناه من مدح ومديح في حق الركراكي وأولاده ، نسينا فخرنا وافتخارنا بأشرف حكيمي … فقليل من من الحكمة والهدوء ….وكثير من الاعتراف للقطع مع الجحود…نحن أمة عاطفية …نحن أمة لم تفكر بعد !!!
الخيبات ليست فشلا ، وتعثر منتخبنا ليس فشلا …إنها بداية المضي في الطريق ، التجربة تبنى وتكتسب بالإرادة والعمل ، بالمعقول والجدية …
كل ممكن ليس كذلك إلا بقدر الجهد المرصود له في عملية تحقيقه. فإذا كان هذا الجهد في مستوى المطلب المنشود، تحول الى واقع، اي ممكن مجسد في مكتسبات محددة في الحقل المقصود. ومنتخبنا بالعزيمة والجهد قادر على تحويل الحلم إلى واقع وقادر على انتزاع الممكن من قلب المستحيل .
آن الأوان لنتخلص من داء العاطفة الهوجاء ، والتحرر من اللاشعور البنيوي الذي يختزل الجحود ، الذي يرقد فينا ، نعتقد واهمين أحيانا أننا تخلصنا منه ، لكن يستيقظ فينا بعنف بمناسبة وغير مناسبة…وتدوينات البعض بعد هزيمة المغرب فجرت المكبوت والعدوانية …والمستهدف ليس أسود الأطلس ومدربهم فقط ….
المغاربة الذين فرحوا ويفرحون لانتصارات الأسود ويحزنون لهزائمهم ، تحركهم محبة هذا البلد ، والرغبة في رؤيته منتصرا فقط ، فائزا وكفى ، مرفوع الرأس لا غير ، قادرا على منح المنتسبين إليه المكتوين بلوعة عشقه القدرة على التلويح بالأيدي في كل مكان إعلانا للجميع أننا من هاته الأرض ، وأننا فخورون بهذا الإنتماء ، بل إننا مكتفون به ، وغير راغبين في غيره على الإطلاق .
كل مرة نقولها ، وسنرددها مجددا : على الذين لا يحبون المغرب إلا عندما تكون مصلحتهم مؤمنة سالمة غانمة أن يتأملوا فرح وحزن المغاربة البسطاء ، العاديين لوجه المغرب ، بكل صدق وبكل إيمان .

error: Content is protected !!