“عبد الله مالقا”.. مسار كروي مميز بين ضفتي المتوسط
— إعداد: خالد الحراق–
قلة هم اللاعبون الذين نقشوا أسماءهم بحروف من ذهب في تاريخ كرة القدم المغربية والإسبانية كما فعل عبد الله بن مبارك الأنطاكي، المعروف باسم “عبد الله مالقا”. فلم يكن مجرد لاعب بارع، بل كان أيضا مربيا ملهما للمواهب الصاعدة في كلا البلدين. رأى عبد الله النور بالعاصمة الرباط يوم 2 فبراير 1937، وسرعان ما نما شغفه بكرة القدم منذ سنواته الأولى. وكما هو حال العديد من أبناء جيله، صقلت موهبته بين أزقة الأحياء الشعبية،، قبل أن يبدأ مسيرته الكروية من التواركة، حيث خاض أولى مبارياته كلاعب هاو، ثم التحق بفريق “سطاد المغربي”، أحد الأندية العريقة في تاريخ الكرة الوطنية. هناك، لفت أنظار أسطورة الكرة المغربية، العربي بن مبارك، الذي قال له ذات يوم: “أنت تملك المستوى الذي يؤهلك للعب في أوروبا”، كما يروي عبد الله مالقا في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء. وفي سنة 1956، تألق عبد الله بشكل لافت في مباراة ضد الفتح الرباطي، ليجذب اهتمام عدد من كشافي الأندية الإسبانية الذين كانوا حاضرين في المدرجات. وكان العربي بن مبارك هو من سهل له الانتقال إلى نادي غرناطة، حيث أوصى به مباشرة لإدارة الفريق. ويستحضر الدولي المغربي هذه اللحظة قائلا: “والدي لم يكن يرغب في سفري، لكن بن مبارك أقنعه. وبعد يومين فقط، كنت أعبر مضيق جبل طارق بوثيقة عبور مؤقتة، لأن الوقت لم يكن يسمح باستخراج جواز سفر”. في غرناطة، تكيف سريعا مع أجواء الفريق والدوري. بدأ مشواره كجناح هجومي، قبل أن يعاد توظيفه في مركز قلب الدفاع، حيث تألق بفضل ذكائه التكتيكي وروحه القتالية، وساهم في صعود الفريق إلى الدرجة الأولى منذ موسمه الأول. وبعد عامين، انتقل عبد الله إلى نادي مالقة، المدينة التي أصبحت وطنه الثاني. وقد تم هذا الانتقال بهدوء، تفاديا لأي تدخل من أندية منافسة. وفي مالقة، تألق بشكل لافت. سج ل أهدافا، وصنع اللعب، وتميز بمهاراته التقنية وأناقة أدائه. يقول المدير العام لنادي مالقة، كيكي بيريز: “عبد الله ي عد من الأسماء الكبيرة في تاريخ نادينا”، مضيفا “يجسد هذا اللاعب الرابط الحي بين المغرب وإسبانيا، وقوة كرة القدم في تجاوز الحدود والأزمنة”. وقد توج تألقه بعدة جوائز، من بينها لقب أفضل لاعب في أكثر من مناسبة، كما اعت بر واحدا من أبرز نجوم جيله الواعد. ورغم عرض مغر من نادي أتلتيكو مدريد، فضل اللاعب المغربي البقاء في مالقة، مدينة ولادة ابنته ومقر إقامة عائلته. وكان هذا القرار دليلا على وفائه وارتباطه العميق بالنادي الأندلسي. وعرف عبد الله أيضا بأناقته وهيبته، فكان طويل القامة، رياضي البنية، هادئ الطبع، يجسد صورة اللاعب الراقي في زمنه. وفي سنة 1961، تلقى دعوة للانضمام إلى المنتخب الوطني لمواجهة منتخب إسبانيا في مدريد، وتمكن من توقيع هدف في هذه المباراة التاريخية، لي سج ل اسمه في الذاكرة الكروية من ضفتي المتوسط. وفي عام 1975، بدأ مسيرته التدريبية، متنقلا بين أندية ألافيس وغرناطة، قبل أن يعود إلى مالقة، نادي القلب، حيث أشرف على تكوين اللاعبين الشباب، واكتسب سمعة مدرب صارم وشغوف. لكن أبرز محطات عطائه كانت في المغرب، حين أوكل إليه جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني مهمة تأطير الجيل القادم من اللاعبين. فأطلق برنامج “ألف لاعب”، الموجه إلى مختلف فئات المنتخبات الوطنية. كما اضطلع بدور محوري في إنجاز أسود الأطلس خلال مونديال 1986، حيث شغل منصب المدير الرياضي إلى جانب المدرب البرازيلي المهدي فاريا. واليوم، يحمل أحد أبواب ملعب “لاروزاليدا” في مالقة اسمه، تكريما لمسيرته اللامعة، وتخليدا لإسهامه في تاريخ الكرة الإسبانية. ويقول عمدة مدينة إيستيبونا، خوسي ماريا غارسيا أوربانو، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء: “عبد الله يجسد أسمى القيم النبيلة التي تحملها الرياضة”. ويضيف: “سواء كلاعب أو كمدرب، تميز دائما بالتزامه اللامحدود تجاه الشباب، داخل الملعب وخارجه”.